«بريدة» ... عاصمة التمور في العالم
كتب - غانم السليماني على وقع أصوات الدلالين من فوق سيارات النقل المحملة بكميات كبيرة من التمور، يحاول الدلال عبدالرحمن بشق الأنفس رفع صوته ليثير انتباه الزبائن منادياً «الجلاكسي...يا أهل الجلاكسي» الذي يعد من ألذ التمور إلى جانب أخواته من الأصناف الأخرى مثل روثانة والسكري الفاخر والبرحي. سوق التمور في مدينة بريدة في السعودية يعد أكبر «حراج» لبيع التمور في العالم حيث يستقبل 2000 سيارة يومياً، محملة بآلاف الأطنان من التمور، تقدر مبيعاتها وقيمتها النقدية بأكثر من 30 مليون ريال، إذ سجلت الأسواق وللمرة الأولى نفاد مخزونها من التمور وفي سابقة هي الأولى من نوعها على مدى العشر سنوات الماضية. السوق الذي خلق فرصا وظيفية كبيرة للشباب والنساء، يمتاز بالنظام والترتيب في ساحة البيع ويبدأ نشاطه يومياً بعد صلاة الفجر مباشرة، ونجح في تحويل المدينة التي تمتاز بالطابع الديني إلى موقع سياحي زاخر بالمتاحف والحدائق ومعارض السيارات الكلاسيكية لتكون متنفساً سياحياً للعائلات،عززه حماس أهالي المدينة في استقبال الضيوف وكرمهم الشديد وانفتاحهم الذي منح الصدارة للمدينة التاريخية نحو العالمية. «الراي» زارت مهرجان «بريدة» للتمور ضمن وفد إعلامي خليجي تلبية لدعوة من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية للاطلاع على فعالياته والتعرف على سر الشهرة الواسعة التي اكتسبها في السنوات الأخيرة. أمير مدينة القصيم الأكاديمي الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز الذي يمتاز بالدقة والنشاط حوّل مدينته العريقة إلى ورشة من الأعمال الإنشائية والبناء وصوّب عدسة الإعلام نحوها قال لـ «الراي» ان «مهرجان تمور بريدة متجدد ومتميز ويحمل رسالة اجتماعية وزراعية واقتصادية مشرفة ويقدم للمنطقة العربية والإقليمية عموماً، ويحمل أيضا مضامين وأهدافا تسعى لتحقيق تطلعات الجميع، نحو منتج زراعي مهم على خارطة الغذاء المحلية والعالمية. وشدد بن مشعل على أهمية غرس ونشر ثقافة الترشيد والتوعية والإدراك لأهمية الثروة المائية عند المزارعين، مؤكداً على ضرورة أن تتوازى مع عمليات التوسع والانتشار في زراعة النخيل، مبيناً أن التمر والماء عنصران مهمان على خارطة الغذاء المحلي، ويجب أن يتم التوفيق بينهما كي لا يتضرر أحدهما من الآخر». ودعا بن مشعل رجال الأعمال، وممثلي الغرف التجارية، والجمعيات التعاونية بالتكاتف لإنشاء شركات للتمور والصناعات التحويلية، التي تعد الطريق الأمثل لديمومة الوصول للأسواق العالمية، متمنياً من فرع وزارة الزراعة بمنطقة القصيم أن تفعل دورها بصورة أكبر في مثل هذه المهرجانات التي تعنى بالنخيل والتمور. وأشاد بن مشعل ببرنامج «بارع»، التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار والذي يعد ذراعا مهمة للحرف والصناعات اليدوية، كما اثنى على تنوع فعاليات مهرجان تمور بريدة ومحاكاتها للتراث من خلال قرية التمور، وما يقام من فعاليات شيقة للعائلات والشباب في ظلال النخيل، مطالباً بتفعيل فعالية ظلال النخيل في نهاية كل أسبوع لتكون متنفسا ريفيا للعائلات. ونوه بن مشعل بجهود اللجنة الإعلامية بالمهرجان في إيصال صوت المملكة والوطن خارج البلاد، وبمشاركة الإعلاميين من دول الخليج والوطن العربي، مؤكداً أن الإعلام مرتكز أساسي لأي مشروع، ووسائل التواصل والإعلام الحديث له دور كبير في نقل الأحداث بكل تفاصيلها وبأسرع وقت. وشملت جولة الوفد الإعلامي الخليجي زيارة إلى أنموذج «المزرعة القديمة» التي تحاكي طبيعة «الفلاح» وما يشتمل عليه محيطه الجغرافي، من نخيل، وزرع، بالإضافة إلى مقومات العيش والأكل والشرب، التي تشتمل عليها المزرعة قديماً، وجاءت جولة سموه لتشمل ما يتم تقديمه من خدمات وبرامج من قبل إدارة مهرجان التمور ببريدة لكافة الزوار، حيث استمع إلى شروحات مفصلة من قبل أصحاب المحال والأركان المتواجدة في المزرعة، وما تقدمه من طرق تقليدية لعدد من العادات الغذائية،ومقر«القرية» التي تحاكي في طبيعتها وتصميمها ومحتواها أنموذجاً للقرية في عصور مضت، قبل أن تدخل السعودية عصر التطور والتقدم، الذي تنعم به كل منطقة في المملكة. . وشملت الزيارة أرض الحراج الرئيسة، وساحة البيع والشراء للتمور، «خيمة التجزئة» التي تم تجهيزها لتستوعب باعة التجزئة، للتعرف على الكيفية التي يتم فيها عرض أنواع وأصناف التمور، في خيمة تم إعدادها لتستقبل الزبائن في كل الأوقات. الوفد الخليجي حط رحاله في مزرعة الراجحي التي تعد أكبر مزرعة في العالم وزار عائلة التويجري التي أقامت مأدبة إفطار على شرف الوفد الزائر كما أقامت عائلة السلمان حفل غداء آخر للوفد لم تغب عنه الابتسامة والقفشات التي امتاز بها صاحب الروح الطيبة الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف. وقدر متعاملون في السوق أن كمية انتاج التمور هذا الموسم زادت بنسبة 30 في المئة عن موسم العام الماضي؛ وعزوا ذلك إلى بدء انتاج النخيل الجديد الذي غرس في السنوات الخمس الأخيرة ؛ كما توقعوا زيادة الأسعار عن المواسم السابقة بنسبة 15 في المئة نتيجة نفاد مخزون العام الماضي من التمور قبل بداية شهر رمضان المنصرم. وتتنوع أسباب تواجد ألوف المزارعين في «ساحات مدينة التمور» في بريدة فجر كل يوم وتختلف مقاصدهم؛ إلا أن الغالبية العظمى منهم دعاهم سبب واحد وهو طلب الرزق الحلال والبحث عن «الثراء» السريع والانتقال إلى عالمه من خلال المتاجرة بالتمور؛ ولكن كثيرين لا يعلمون أن ذلك لا يتم لهم بسهولة؛ إذ انه ولبلوغ هذا الهدف الاقتصادي المهم على المستوى الشخصي للمزارع؛ لابد أن يكون قد دفع ضرائب عدة للعناية بالنخيل والتعامل معه بشكل مباشر؛ ومن أبرز ذلك ما يتعرض له المزارع من وخز أشواك النخيل المعروف بسقمه وشدة ألمه؛ وربما سقط أحدهم من أعلى جذع النخلة ولازم الفراش بسبب إصابة تعرض لها جراء ذلك؛ ولكن كل ذلك يهون في سبيل تحقيق «الثراء». المزارع الستيني علي النمير أحد هؤلاء المزارعين الذين يستغلون أيام الموسم ونشاط السوق فيه هذه الأيام يذكر أنه أمضى نصف سنوات عمره في الزراعة؛ وبات أكثر تفرغاً لها والعناية بالنخيل وتمرها بعد تقاعده من الوظيفة الحكومية؛ يتابع بكل انتباه ويقظة حركة السوق من حوله مستمعاً إلى ضجيج أصوات«الدلالين» ومزايداتهم؛ راصداً بكل دقة الأسعار والمبيعات من حوله لمعرفة وضع السوق اليومي؛ كما يراقب تحركات المتسوقين محاولاً معرفة رغباتهم قبل جذبهم إلى محصول مزرعته؛ لينهي يومه بصفقة رابحة «تعوض» تضحيته وتعبه طوال العام من أجل النخلة والتمر. ومن المؤكد أن لكل مزارع قصة وحكاية تختلف عن نظيره؛ وكثيراً منهم يعتبر المهرجان وأيامه فرصة ذهبية لا تقدر بثمن ويرون أنه ينبغي استغلالها جيداً لتصريف محصول مزارعهم الغزير من التمور؛ فالمزارع الموظف يقوم باختيار توقيت المهرجان ليكون أيام اجازة رسمية له ولا يذهب خلالها إلى عمله؛ كما يحرم المزارع غير الموظف نفسه من النوم لعدة ساعات بعد الفجر بينما يغط غير المزارعين في نوم عميق على سررهم وحرموا أنفسهم من بركة الرزق في البكور.








التعليقات