نحو تقنين الجوائز الإعلامية… وحتى لا يعطي من لا يملك لمن لا يستحق
نتبنى في الاتحاد العربي للإعلام السياحي، بالتعاون مع شركائنا في جامعة الدول العربية، ومنظمة السياحة العربية، ومجلس وزراء السياحة العرب، مشروع قرار حاسم للحد من ظاهرة توزيع الجوائز العشوائية من جهات مجهولة، والتي تُمنح في كثير من الأحيان لأشخاص لا علاقة لهم بالتميّز أو الإنجاز الحقيقي. فباتت بعض الجوائز وسيلة للترويج الذاتي، لا تعكس الكفاءة، بل تعكس حجم العلاقات أو القدرة على التسويق. ولأننا نؤمن بأن الجائزة الحقيقية تُبنى على معايير، فإننا نسعى لوضع أطر واضحة تضمن المصداقية، وتعيد للجوائز قيمتها وهيبتها.
لقد أصبح من الضروري – بل من الواجب – أن نُعيد الاعتبار لمفهوم التخصص، ليس فقط في العمل، بل في الجوائز التي تُمنح لأصحاب الإنجازات. لم تعد المهن التقليدية وحدها هي التي تتطلب معرفة عميقة وتدريبًا طويلًا، بل حتى في مجالات مثل الإعلام، بات التخصص شرطًا للتميّز، لا ترفًا معرفيًا.
في السنوات الأخيرة، بدأنا نلحظ ظاهرة خطيرة: دخول غير المتخصصين إلى ميدان الإعلام، وكأن الإعلام مهنة من لا مهنة له. بعضهم يظن أن الظهور في فعالية أو تقديم نفسه عبر وسائل التواصل كـ “إعلامي” يخول له اقتحام المجال، متجاوزًا قيمته ورسالته، بل ومتطفلًا على جهود المتخصصين الذين قضوا أعمارهم في الدراسة والممارسة والتدريب.
الإعلام اليوم ليس عملًا فرديًا ولا انطباعيًا. هناك إعلام سياسي، وإعلام اقتصادي، ورياضي، وسياحي، وثقافي… ولكل نوع أدواته، وقواعده، ومدارسه. الإعلام السياحي مثلًا لا يشبه الصحافة اليومية، ولا يشبه التغطية الإخبارية العادية، إنه فن ومزيج بين المعرفة الجغرافية والثقافية، والرؤية الاتصالية، والفهم العميق لصناعة السياحة. فكيف يمكن لمَن لا يعرف هذه الأدوات أن يقدم نفسه خبيرًا في هذا المجال؟!
والأدهى أن دخول هؤلاء غير المتخصصين قد جرّ معه أفكارًا غريبة على الإعلام، منها على سبيل المثال لا الحصر: خلط الإعلام بالإعلان. فصرنا نرى من يلمّع المؤسسات أو الأفراد مقابل أجر، ثم يطلق على ذلك “تغطية إعلامية”! وصرنا نرى “تكريمات” توزع على من يدفع أو من يتملق، لا على من يبدع ويستحق. اختلط التكريم بالتلميع، والإنجاز بالوجاهة، والرسالة بالمنفعة، فأصبحنا لا نعرف: هل هذه جائزة حقيقية؟ أم شهادة تقدير من جهة بلا مرجعية؟!
من هنا، تأتي أهمية أن تكون هناك رقابة ومعايير واضحة، تضمن أن تكون الجائزة انعكاسًا حقيقيًا لجهد استثنائي، لا مجرد أداة للترويج أو المجاملة. لا يجوز أن يتحول الإعلام إلى سوق عشوائي، ولا أن تصبح الجوائز وسيلة لشراء الاعتراف المجتمعي دون استحقاق.
إن دعوتنا إلى تقنين الجوائز ليست موجهة ضد أحد، لكنها موجهة لصالح الجميع: لصالح المهنة، وصالح المجتمع، وصالح الحق. فالجائزة إن لم تكن على أساس من العدل والمعايير، فإنها تفقد معناها، وتفقد المهنة احترامها، ويفقد المتلقي ثقته في كل ما يُطرح أمامه.
نحن لا نطالب بالمستحيل. نطالب فقط بأن يُعاد لكل مجال هيبته، ولكل متخصص مكانته، وأن تُحترم المهنة بتحقيق شرطها الأول: التخصص.

التعليقات