ما أكثر أولئك الذين يسيرون في طرقات الحياة بخُطى الغرور، يرفعون رؤوسهم كأنّهم شموسٌ لا تغيب، ويُكثرون من الحديث عن أنفسهم، حتى ليُخيّل إليك أنهم وحدهم من رفّ عليهم المجد، ووشّحهم الزمان بأكاليل الخلود! يتحدث أحدهم عن إنجازٍ هنا، وآخر هناك، يرويها بصوتٍ مجلجل، لا يترك للسكوت فرصة، ولا للتواضع منزلاً. تتبعه كلماته كما يتبعه ظلّه، لكنك إن اقتربت من هذا الظل لتراه، أدركت أنه محض وهم، سرابٌ تموّه بالتكرار والصياح. فذاك الإنجاز الذي صدّع به رؤوس الناس، إما لم يُنجز قط، أو كان ثمرة جهدٍ مشترك، التهمه دون أن يستحيي، ونسبه إلى نفسه كأنّ القلوب لا تُبصر، والعقول لا تحصي، والناس بلا ذاكرة. العظيم الحقّ، أيها المتشدّق، لا يحتاج إلى مكبّر صوت، فصوته في الوجدان أعلى، وأثره في الواقع أعمق. لا يتوسّل التصفيق، بل تصفق له الأيام حين يرحل. لا يحمل منجزاته في لسانه، بل تحملها الأيادي التي امتدّ إليها نفعه، والقلوب التي سكنها فضله. أما أنت، فكلما تحدّثت عن منجزاتك المفتعلة، ازددت ضآلةً، وكلما رفعت صوتك، انكشفت ضحالتك، كمن يُحدّث الناس عن مآثره في البحر، وهو لم يغادر حافة الشاطئ يوماً. لا العظمة تُنال بالصياح، ولا المجد يُورث بالتطبيل. احذر أن تكون ممن غشّوا في سوق الحياة… فمن باع وهماً في ثوب المنجز، اشترى في النهاية خيبةً بثمنٍ فادح، وسيعلم حين يهدأ الصخب، أن المجد لا يُصنع بالكلام، بل تُنقشه الأيام في جبين من صدق، وتواضع، وأنجز بصمت. فاصمت قليلاً أيها المدّعي… لعلّ الصمت يواري بعضاً من فضيحتك.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

الاكثر تفاعل

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية