الاعلامي صابر المحمدي يكتب: تحت عباءة الإعلام يتوارى الزيف
ليس كلُّ من حمل لافتةَ “الإعلام” كان له فيه قَدَم، ولا كلُّ من تَوشّح بالخطاب البراق عُدّ من النبلاء. فثمةَ من دخل هذا الباب لا ناصحًا ولا مصلحًا، بل مُندسًّا، يَسري كما السُّم في العسل، لا ليُبصّر، بل ليُبلبل، ولا ليُقرّب القلوب، بل ليُباعد بينها، بخيوطٍ من شكّ، وحكاياتٍ تُغزل على نول الفتنة، ثم تُقدّم على طبق من “نصحٍ مزعوم”. يختبئ هذا الصنف خلف قناع الحريص، يتوسّل لغة التوجيه، ويُكثر من قول: “إني لكم ناصحٌ أمين”، ثم لا يلبث أن يُلقي في المجالس شررًا، يلهب به علاقاتٍ صافية، ويزرع الريبة بين إخوةٍ لم يجمعهم إلا المحبة، فيتحوّل الصف المتماسك إلى شتات، ويُستبدل حسن الظن بغبار التأويل. ويبلغ هذا الماكر مكرَه، حين يُنشئ وفودًا في الظلام، بعيدًا عن عين النقد والرأي، فيختار من يشاء، لا على أساس التميّز أو الكفاءة، بل على معيارٍ خفي، أساسه الطواعية والانقياد، ويغدق عليهم ألقابًا فضفاضة: “إعلاميون”، و”سفراء”، و”روّاد”، ثم يمضي بهم من بلد إلى بلد، لا لمهمةٍ نبيلة، بل ليبيعهم وهمًا، ويشتري بصمتهم تصفيقًا. فإذا وصلوا، رأيتَه يوزع الجوائز كما تُوزع البطاقات في مقهى، لا اعتبار فيها للقيمة، بل للرد الجميل، ولسان الثناء. يتوسل الفندق بسويت، ويغنم له ولخاصته غرفًا فاخرة، على حساب من لا يعلم شيئًا عن خفاياه، أولئك الذين ما زالوا يحسنون الظن، ويظنون أن حسن المظهر يعني نقاء الجوهر. وما أدراك ما أذرعه الخفية؟ فقد استقطب بعض الدخلاء من خارج ميدان الاختصاص، وأوكل إليهم مهامًا لا تمتُّ إلى الإعلام ولا إلى الشهامة بصلة، بل هي أعمال تفتقر إلى المروءة، وتنبذها الأخلاق. أوكل إليهم مهمة التلصص، والتجسس على المجالس، ونقل الأحاديث والأنفاس، حتى صارت بينهم لغةٌ يعرف شفرتها، ويعرفها كلُّ من ابتُلي برائحتهم. فهم لا يستترون… بل يجاهرون ببؤسهم، ويتباهون بما يُخفيه الشرفاء، فهؤلاء قومٌ لا خَلقًا التزموا، ولا خُلقًا عرفوا. هكذا يُدار المشهد، وهكذا تُصنَع البطولات الكاذبة، في زمنٍ صار فيه البريقُ يُشترى، والتصفيقُ يُستأجر، والصدقُ يُطارد خارج الحفل. فاحذروا من يقتات على علاقاتكم، ويُفسد صفاءكم باسم النصح. واحذروا من يُكرم بعضكم ليُقصي البعض الآخر. واحذروا من الإعلام حين لا يكون إعلامًا، بل أداةَ استغلالٍ مغلّفة بورق المجاملة. فليس كلُّ من لمع… ذهب. ولا كل من تزيّا بالمهنة… أمينٌ عليها.

التعليقات