عبقرية أسوان… حيث يلتقي النيل بالناس
بقلم: مصطفى عبد المنعم
كما قدم المفكر الكبير عباس محمود العقاد، ابن أسوان البار، عبقرياته الفكرية التي لا تُنسى، فإن مدينته العريقة تقدّم لنا عبقريتها الخاصة، بطريقتها الهادئة والعميقة. عبقرية لا تظهر في العناوين الصاخبة، بل تُحسّ في بساطة الحياة، وفي نقاء النيل، وفي دفء الناس الذين يصنعون من الطيبة أسلوب حياة.
أسوان ليست مجرد مدينة جنوبية جميلة، بل هي روح مستقلة، وشخصية متفردة، وملامح إنسانية لا تتكرر. في كل زاوية من زواياها تجد الحكاية، وفي كل وجه تلمح الأصالة، وفي كل خطوة تمشيها تشعر وكأن الأرض تحكي لك تاريخًا طويلًا من النبل والكرامة.
“النون”… حرف السر في عبقرية أسوان
لعل أجمل ما يمكن أن يُقال عن أسوان هو ما يربط عبقريتها بحرف واحد: “النون”. حرف بسيط في شكله، لكنه محوري في نَسْج هوية هذه المدينة. فهو الخاتمة لاسمها، والبداية لكلمات تشكّل جوهرها: “نيل”، “ناس”، “نوبة”، و”نهر”.
وكأن هذا الحرف يربط بين الماء الذي يمنح الحياة، والناس الذين يمنحونها المعنى.
فالنيل في أسوان ليس مجرد مجرى مائي، بل هو شريان حياة يحمل الهدوء والسكينة في كل موجة، تمامًا كما يحمل أهل أسوان الهدوء في طباعهم، والسكينة في نفوسهم، والبشاشة في وجوههم.
الناس… جوهر المدينة وروحها
“ناس أسوان” هم العلامة الفارقة في تجربة هذه المدينة. فبشاشة الوجوه، والكرم الفطري، والصدق في التعامل، والاحترام العميق للعادات والتقاليد، كل ذلك يجعل من زيارة أسوان تجربة إنسانية قبل أن تكون سياحية.
الضيف في ديار الأسوانيين لا يُعامل كغريب، بل كأحد أهل البيت. والكلمة الطيبة عندهم ليست مجاملة، بل مبدأ حياة.
مدينة تنبض بالأصالة وتحتضن الحداثة
ما يميز أسوان أيضًا هو قدرتها على الجمع بين الماضي والحاضر. ففيها من عبق الحضارات القديمة ما يأسر الزائر، ومن روح المعاصرة ما يجعلها حاضرة بقوة في قلب التحولات السياحية والثقافية.
هي مدينة تعرف كيف تحتفظ بأصالتها، دون أن تغلق أبوابها على التجديد. وفيها يعيش التاريخ في انسجام مع الحداثة، فتبدو وكأنها مدينة من زمنين، أو جسرًا ممتدًا بين الأصالة والتطور.
أسوان… عبقرية مدينة، لا عبقرية شخص فقط
كتب العقاد عن عبقريات الأفراد، ونحن اليوم نكتب عن عبقرية مدينة. مدينة لم تُخرج مفكرًا عظيمًا فقط، بل أنتجت فلسفة في الحياة، ومدرسة في الطيبة والكرامة، ونموذجًا إنسانيًا راقيًا.
أسوان ليست مجرد مكان، بل هي حالة شعورية، وقيمة حضارية، ورسالة حب من الجنوب إلى العالم.







التعليقات